:الفصل الأول
كان يا مكان، مدينة كبيرة مزدهرة. سكانها أناس طيبون كرماء. لا يمر عليها زائر إلا وقد أبى مغادرتها إلا لضرورة ملحة. قيل أنها ساحرة الجمال بمروجها الخضراء و أزهارها الزاهية البيضاء المميزة. كانت آمنة بشكل كبير، وذاع صيتها بأنها المدينة المثالية. حتى أطلق عليها عابروا السبيل اسم "أرض الأحلام" لتمنيهم العيش هناك.
لكن الحقيقة شيء آخر، ففي هذا العالم لا وجود للمثالية. ولكل عملة وجهان.
في هذه المدينة تعيش عائلة صغيرة. يعمل رب الأسرة خياطا و يمتلك متجره الخاص، حيث أن تصاميمه تلقى شعبية كبيرة. بينما زوجته تعمل كممرضة في المستشفى. لديهما طفلان اثنان، أكبرهم فتاة في الرابعة عشر من عمرها تدعى لجين و أصغرهم ولد في الثامنة من عمره اسمه لؤي.
في بيت أسرة لجين، تجالس هذه الأخيرة أخاها الصغير و تساعده في حل واجباته المنزلية.
لؤي: ماذا أكتب في إنشاء اللغة العربية؟
لجين: ما موضوعه؟
لؤي: تحدث عن ذكرى سعيدة وصف مشاعرك.
لجين: كيف تتوقع مني مساعدتك؟ أليس المطلوب واضحا؟ عذرا.. أتريد مني البحث في ماضيك؟ كما تعلم لا قدرة لي على اختراق الذكريات.
لؤي: لا أستطيع التفكير في شيء الآن، هل يمكنك الإملاء و أنا سأدون فكرتك في المسودة و أتوسع في الموضوع لاحقا.
لجين: فقط إذا تنازلت لي على آخر كعكة متبقاة.
استغرق لؤي بعض الوقت للتفكير في عرض أخته، لأنه كان يحتفظ بتلك الكعكة ليتناولها بعد الغذاء. لكن المدرس قد يعاقبه إذا لم يحل واجبه، فقرر الموافقة.
لؤي: حسنا اتفقنا.
لجين: حسنا لنرى، ما هي أسعد ذكرياتي؟
لؤي: ليس بالضرورة أن تكون الأسعد، أي ذكرى سعيدة تفي بالغرض.
لجين: ما العمل؟
لؤي: ماذا هناك؟
لجين: يبدو أن أسعد ذكرياتي كانت قبل أن يصبح لي أخ صغير يتوجب علي مجالسته، يا للأسف.. بالكاد أتذكر تلك الأيام السعيدة.
لؤي: ألهذا السبب لا أتذكر ذكرياتي السعيدة؟ ألأن لدي أختا طيلة حياتي؟
لجين: لا بل هذا لأنك غبي تعتمد على أختك في حل الواجبات.
لؤي: حسنا حسنا.. إبدئي الإملاء.
لجين: حسنا لنرى.. أتذكر أنه في أحد الأيام كنت أرغب بلعب الكرة في الخارج و لأن الجو كان سيئا جدا، لم يكن بوسعي اللعب مع أصدقائي. فبينما كانت أمي مشغولة تطبخ الطعام كانت في نفس الوقت تلعب معي الكرة برفق. تركلها لي و أقوم بالمثل. كان أمرا بسيطا حينها لم أعره أي اهتمام حيث ظننت أنه أمر مسلم به، لكني كلما كبرت و تذكرت ذلك اليوم أتسائل كيف أنها لم تزجرني أو توبخني لأقوم بالدراسة عوض اللعب أو بمشاهدة التلفاز عوض إزعاجها. بل بدى أنها كانت سعيدة وأنها رغم تعبها و انشغالها خصصت لي وقتا. لا أظن أن هناك كثيرون يتحلون بهكذا صبر اتجاه الأطفال المزعجين.
لؤي: جيد أنك تعلمين كم أنت مزعجة، حسنا سأحاول التوسع في هذه القصة أكثر كي أتم واجبي.
لجين: العفو، الآن... أخبرني، أين هي تلك الكعكة؟
------------------------
في أحد الأيام الماطرة اتصلت لجين بأبيها لتسأله أن يقل أخاها من المدرسة. لكن الأب كان مشغولا كثيرا فأوكل الموضوع لزوجته التي بدورها كانت مرتبطة بالتزامات أخرى لذا لم تستطع المجيء. لذا قررت لجين اصطحاب شقيقها من المدرسة رغم أنها لا تملك مظلة.
*اتصال هاتفي*
- ألو، إنتظرني في المدرسة، لا تجعلني أبحث عنك في كل مكان كالمرة السابقة.
*نهاية المكالمة*
توجهت لجين للمتجر و اشترت مظلة. بعد ذلك توجهت إلى مدرسة أخيها الإبتدائية. في تلك الأثناء كان لؤي ينتظر تحت سقيفة المدرسة حين سمح صوتا غريبا كأنه بكاء، لا بل إنه مواء قط صغير. أخذ لؤي يلعب مع القط ثم قرر إعطائه اسما مناسبا.
لؤي: سأدعوك سكر لأنك ظريف جدا.
كان يوما سعيدا جدا بالنسبة للؤي، فقد مدحه الأستاذ بخصوص كتاباته و حصل على علامة كاملة في اختبار الرياضيات، كما أن المدرسة ستقيم منافسة كتابة و رشحه مدرس اللغة كممثل للفصل في هذه المنافسة. لطالما كان لؤي ولدا ذكيا. هدفه الوحيد أن يكون مصدر فخر لعائلته.
حين وصلت لجين لاصطحاب أخيها لاحظت أنه يحمل قطا صغيرا.
لجين: هيا بنا، ضع ذلك القط أرضا لكي نسرع للبيت فأنا جائعة.
لؤي: سأصطحبه معي، إنه صغير و لن يتحمل البقاء في العراء و الجو بارد.
لجين: بالطبع الجو بارد، لكنك تعلم أن أمي و أبي لن يسمحا لك بإبقائه في البيت.
لؤي: لن يكون من الصعب إخفائه عنهما بما أنهما دائمي الإنشغال، طالما تحتفظين بالسر.
لجين: على ماذا أحصل مقابل صمتي؟
لؤي: (يهمس لنفسه) متوحشة باردة القلب.
لجين: لم أسمعك، ماذا قلت؟
لؤي: سأتنازل لك عن تحليتي المفضلة، لمدة أسبوع.
لجين: شهر.
لؤي: أسبوعان.
لجين: شهر.
لؤي: حسنا حسنا شهر.
لجين: هيا أسرع قلت لك أنا جائعة.
تشارك كلاهما المظلة ثم سارا في طريقهما إلى البيت. لؤي يدندن لحنا جميلا من سعادته وهو يحمل القط سكر ويربت عليه طيلة الطريق. بينما كل ما تستطيع لجين التفكير فيه هو الطعام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق